Categories
مقالات

الأسر المنتجة تحول التحديات إلى فرص… قصص نجاح أثمرت 250 منتجا يمنيا خالصا

بشرى الغيلي/ لا ميديا –
ويل لشعبٍ يأكل مما لا يزرع، ويلبس مما لا يصنع… مقولة شهيرة ضمن برنامج «خيرات» الذي تتبناه مؤسسة «بنيان» التنموية، ووفرت للكثير من الأسر التي تتمتع بمهارة وإبداع المعرض الدائم للأسر المنتجة، وساعدتها على عرض منتجاتها لتكتسب مهارة في فن تسويق منتجاتها. ونعرض هنا بعض أبرز قصص النجاح التي أحرزتها الأسر المنضوية في هذا البرنامج. فالخياطة «أم مختار»، وهي ترجمة عملية لهذا النجاح، بلغت أرباحها خلال عام ونصف 3 ملايين ونصف وتعمل تحت إدارتها 40 خياطة يُعلن 40 أسرة. أما «حياة»، صانعة الحلويات، فقد ساعدت نفسها وعائلتها مادياً، وهي بالأساس تربوية، ومع انقطاع المرتبات فكّرت بمنحى آخر غيّر لها مجرى حياتها… «لا» زارت المؤسسة والتقت المختصين هناك. تفاصيل شيقة للقارئ الكريم ضمن السياق التالي.
أسر عصامية
تدخل إلى المكان فتشعر بقيمة الإنسان اليمني الذي سيعيدُ مجد آبائه عبر هذه الأيدي الماهرة الصنع. لم أتوقع أن أشاهد في هذا المعرض منظفات محلية الصنع تم تركيبها من خلال الاستعانة بكيميائيين لضمان جودتها، وهي بديل الكلوركس والكلين والصابون… وغيرها. كذلك ملابس جاهزة لمختلف الأعمار متقنة وتنافس السوق بقوة. أما الحلويات فلها حكاية في عالم المذاق. كذلك الإكسسوارات والحقائب الجلدية، وقسم التراث الصنعاني… تستطيع القول بأنك في مولٍ تجاري متكامل الأركان، ميزته أن منتجاته صُنعت وأتقنت بأيد محلية لأسرٍ تحدّت الفقر والحاجة ولم تقف مكتوفة الأيدي، فانتقلت من وضعٍ إلى وضع أفضل، كما عبّر عن ذلك محمد الوجيه، مدير العلاقات العامة والإعلام بمؤسسة بنيان… “المعرض الدائم للأسر المنتجة” تقف خلفه مؤسسة بنيان التنموية، وتُقدم الدعم لكل أسرةٍ فضّلت الاكتفاء الذاتي وتغيير واقعها إلى الأفضل، كما تساهم بتشغيل الأيدي العاطلة عن العمل وإيجاد فرص عمل لكثير من الفتيات اللواتي يقمن بإعالة أسر كانت تعاني اقتصادياً نتيجة العدوان والحصار لتغدو اليوم مكتفية ذاتياً معتمدة على نفسها.
40 خيّاطة معي يعلن 40 أسرة
تميّزت “أم مختار” فوزية الغليسي بمشروعها الذي تحدثت عنه لصحيفة “لا” قائلة إن أرباحها من الخياطة بلغت خلال أكثر من عام ونصف أكثر من 3 ملايين ونصف، ومن خلال ذلك المبلغ سددت ديونها وساعدت أسرتها، كما تعمل معها 40 خيّاطة يُعلن 40 أسرة. تقول إن اسم منتجها “التحدي” وهو اسم تجاري يميّزه… “من خلال المشروع قررت أن أنهض بنفسي من أزمة الحرب والحصار وأعتمد على خبرتي وأكتفي اكتفاءً ذاتياً، أنا أو البنات العاملات معي، ونساند رجالنا في الجبهات”. وتضيف أم مختار أنها تقوم بجمع البنات المحتاجات واللواتي يعانين من قلة الدخل حيث أوجدت لهن فرص عمل. وتؤكد أن أكبر دعم لها كخيّاطة هو توفير مؤسسة بنيان للمعرض الدائم، وتهيئة المكان لعرض منتجاتهن، وأن هناك أمهات لديهن منتجات وتنقصهن خبرة التسويق، بينما ساعدتهن المؤسسة كثيراً. تقول أم مختار ممتنة: “صرتُ أعيل أسرتي واكتفيت ذاتياً، فأنا أعيل 12 شخصاً بعائلتي لأن عيالي كلهم بالجبهات، وزوجي حارس مدرسة متطوع”. وتتمنى أم مختار أن تصير منتجاتها اسماً تجارياً كبيراً في عالم الملبوسات، وأن يتطور مشروعها لتقديم منتجها للتجار من خلال التسويق، وأن ينمو ويكبر معملها الذي يتكون من 3 ماكينات خياطة حديثة فقط، بينما تعمل الـ40 فتاة كل واحدة بماكينتها اليدوية الخاصة في بيوتهن، ونجاحها من نجاح هؤلاء الفتيات. تختم: “رجالنا انطلقوا للجبهات ونحن اتجهنا للاكتفاء الذاتي وكل ذلك بعد الله يعود الفضل فيه لمؤسسة بنيان، فأنا خيّاطة منذ 25 سنة وكنت توقفت 10 سنوات من العمل حتى سمعت بوجود المعرض الدائم للأسر المنتجة الذي غيّر حياتي وحياة 40 فتاة للأفضل”.
 التربوية صانعة الحلويات 
مشروع آخر من مشاريع الأسر المنتجة تميز بصناعة الحلويات والمعجنات، ورائدته هي حياة الحماطي، التربوية التي تقول لصحيفة “لا” إنها كانت تستهويها صناعة الحلويات واشتهرت بها بين أفراد العائلة والصديقات، وهي في الأساس تربوية ومع انقطاع المرتبات فكّرت بمصدر دخل لها ولأفراد عائلتها من خلال مهنةٍ تتقنها، وهي صناعة الحلويات، وبتشجيع ممن حولها بأن تعمل مشروعاً في مجال الحلويات. تضيف الحماطي: “كنتُ أعمل في البداية لتلبية طلبيات خاصة للأعراس، فتأتي إليّ العروس وتطلب مني عيّنة فأعمل لها البيتزا، والكرواسان، والسندوتش، والكب كيك، والتشيز كيك، والبيتفور… وأريها الطبق وأحدد لها قيمته، وأيضاً أزوّد بعض البقالات في الحارة بالبيتفور والشوكولا التي لقيت إقبالاً كبيراً، وأعمل لصديقاتي وللأهل، وبعد انقطاع المرتبات فكّرت باتخاذ ذلك كمهنة أساسية، فشجعني كل من حولي ممتدحين حلوياتي وحاثين على أن ترى النور. وحالياً الحمد لله لقي ذلك إقبالاً كبيراً والزبائن شجعوني، فالذين يأخذون مني يعودون إليّ مرة أخرى، وكل ذلك كان مجهوداً شخصياً وبإمكانيات بسيطة، وإلى الآن لا يوجد لديّ معمل، وبدأت بالشغل في البيت أنا وبناتي وبنات أخي، وبعد فترة زارتني إحدى الصديقات وقالت لي إن مؤسسة بنيان فتحت معرضاً للأسر المنتجة، وشجعتني أن أقدم مشروعي هناك. وبدورهم رحبوا بي واستقبلوني ولقيت حلوياتي إقبالا أكثر من ذي قبل منذ افتتاح المعرض في رمضان العام الفائت كنقطة بيع لمنتجاتنا”. وتؤكد الحماطي أن ذلك عاد عليها بمردود كبير وتقول: “في البداية كنت أعمل على مستوى بيتي فقط، وحاليا توسعتُ أكثر والحمد لله من خلال المعرض الدائم للأسر المنتجة”. وتطمح الحماطي إلى افتتاح معمل حلويات كبير يضم المحتاجات للعمل ويتدربن فيه على صناعة الحلويات.
خدمات بلا مقابل
للتوضيح أكثر حول الجهود المبذولة لتحسين وضع وأداء الأسر المنتجة التقت “لا” عبدالكريم الديلمي، مدير التخطيط والجودة بمؤسسة بنيان، الذي قال: “نحن نقوم بالإعلان عبر صفحتنا بالفيس بوك للراغبين من الأسر المنتجة في الانضمام للمعرض الدائم، ولدينا تسهيلات وخدمات تقدم بصورة مجانية لكل أسرة ترغب بالانضمام، من ضمنها تدريب، وترويج، وتسويق للمنتجات التي تنتجها الأسر. وقد لاحظنا أن أكبر معضلة للأسر المنتجة هي تسويق منتجاتها، والدليل أن الأسر المنتجة كانت تروّج لبضاعتها عن طريق الدلالة من بيت إلى بيت، أو حتى في التجمعات النسوية، واكتشفنا أن كل أسرة منتجة لديها مخزون كبير من مختلف المنتجات متوفرة في البيت غير قابلة للتصريف، وأول ما فتحنا المعرض الدائم قدمت 350 أسرة وبعثوا بكل منتجاتهم وبيعت كلها خلال سنة وشهرين فقط من افتتاح المعرض وبعائد وصل إلى 250 مليون ريال. فالقصد أن مؤسسة بنيان تقدم الحلول، لأن الأسر المنتجة لا تستطيع التسويق لذاتها بالصورة المطلوبة، ونحن الآن بصدد تحويله إلى بيت الأسر المنتجة، وسيكون ذلك بعد التجهيزات، وسيعلن عنه رسميا في مطلع 2020، وسيكون مهيأ لكل ما يخدم ويدعم الأسر المنتجة، وإذا كان هناك قروض بيضاء فهي ستكون عبر بيت الأسر المنتجة، وأي أسرة منتجة مُرحب بها، من كل الفئات، لا نميز فئة عن فئة، وسيكون للجميع وفي كل الأوقات، يقدم خدماته الكبيرة والمتميزة بدون أي مقابل”.
ويضف الديلمي: “لا يوجد شرط محدد لقبول الأسر المنتجة، فالشرط الوحيد أن تكون منتجة وتقدم منتجاتها بالمعرض، ومادامت منتجة فالمعرض مفتوح لها بأي وقت، وهناك فرق بين المشروع الصغير، والأسر المنتجة، فالتمكين الاقتصادي موجه نحو الأسر المنتجة والقروض البيضاء التي يمكن أن تُمنح، فهناك الكثير من الأسر المنتجة تفتقر لتكاليف المواد الخام، وقد تكون لديها ماكينة متقادمة، ونحاول مكننة الإنتاج لنحصل على الجودة، فأحياناً تأتي للمعرض صفقات بملايين ولا تستطيع الأسر تغطيتها، لأن الإنتاج يدوي، وإن شاء الله سيوفر بيت الأسر المنتجة ماكينات لتلبي أكبر قدر من الإنتاج، ليشعر الناس أن بإمكانهم الحصول على منتجات محلية بكل أماكن التسوّق، فحاليا النطاق محدود، ولدينا فقط أكثر من 6 نقاط بيع منتشرة، لكنها لا تكفي، ونسعى لتوسيعها على مستوى المحافظات”.
ويتابع الديلمي: “مؤسسة بنيان تهتم بدعم المشاريع التي تحقق هدفاً استراتيجياً وطنياً، وتساعد في التخفيف من الاستيراد، فأي منتج يتم استيراده بكثرة نوفره محليا، وأي منتج لا يتوفر محليا، نحاول توفيره وبجودة عالية، وأخيرا فإن المشاريع التي لها أولوية لدينا هي التي تحقق أمناً غذائياً، أو تخفف من الحاجة إلى الاستيراد، أو نحاول إيجاد بديل محلي يضاهي بل ينافس المنتج المستورد، ويتم مراقبة نجاح ذلك من خلال ما يقدمونه بالمعرض، فمثلاً تقدم أسرة 4 ـ 5 فساتين يتم تدوينها باستمارة وأخذ البيانات كاملة عن الأسرة وعن الاسم التجاري الخاص بهم، وحاليا لدينا 250 اسماً تجارياً داخل المعرض الدائم. من قبل لم تكن هناك أسماء، لأن منتجاتهم كانت تباع من البيت وبصورة شخصية”.
سباق الجودة
 أسرٌ أبدعت في إنتاجها، وانعكس ذلك عليها من خلال البازارات والمناسبات التي تقدم عبرها منتجاتها، فيقولون لهن: أنتن مفخرة لنا يا أسر اليمن، ومنتجاتكن أفضل من المنتج الخارجي… هذا ما تؤكده أروى حميد الدين، نائب المدير التنفيذي لشؤون المرأة في “بنيان”. وتضيف: “وجدنا أن بعض الأسر توجهت لوزارة الصناعة والتجارة للحصول على سجل تجاري يحفظ لها حقوق المنتج، إلا أن الغالبية العظمى منهن لا تزال تجهل بهذه الإجراءات، وهذا الأمر استدعى منا التواصل مع الوزارة ومعرفة خدمات السجل التجاري، كي نجتمع بهن ونوضحها لهن ليسارعن في الحصول عليه، بعد معرفة حقوقهن وواجباتهن التجارية”. كما تضيف حميد الدين أن استراتيجية المؤسسة هي الارتقاء بالمنتج اليمني بحيث تصل معايير جودته إلى المستوى الذي يؤهله أن يضاهي المنتج المستورد إن لم يتفوق عليه، والوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي والاستغناء عن المنتج الخارجي، والارتقاء تدريجياً لمرحلة التصدير، والتوعية بأهمية الاكتفاء الذاتي والمنتج الوطني والاعتزاز به، والتأكيد على أهمية الجودة والإتقان للمنتج من باب “إن الله يحب أن إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه”، ثم متابعة الجودة لضمان الترويج. أما من ناحية الترويج للمنتجات فتقول حميد الدين: “هناك مشاريع تمت دراستها في مؤسسة بنيان تضمن رواج منتجات الأسر، كتوفير مساحة لهن في سوق أسبوعية وفي منطقة حيوية تكون قوة الشراء فيها عالية، أو في نقاط بيع بأسواق يكون فيها الإقبال عالياً”. وعن مراقبة نجاح المشاريع تقول: “المعيار الأكبر هو نسبة المبيعات والتي تدل على رضا المشتري، والخضوع لمعايير وشروط إدارة المعرض الدائم من حيث الجودة والإتقان، فحين نستبعد بعض المنتجات بعد توضيح الأسباب تسعى الأسر جاهدة لتطوير منتجاتها حسب المعايير المطلوبة، وتلتحق بدورات ضبط الجودة فيما يتعلق بالتصنيع الغذائي، وهكذا تضمن بيع منتجاتها”.
جائزة بنيان 
أحلام الضياني، ضابطة المشروع، تقول إن عدد الأسر المشاركة في المعرض بلغ 473 أسرة منتجة، وكل أسرة تندرج تحتها عدة أسر، مثلاً منتج “التحدي” يندرج تحته 10 أسر، و”الفخامة” وغيرهما. أما من ناحية الشروط الواجب توافرها تقول الضياني: “في الوقت الحالي سيتم التقييم من خلال جائزة بنيان للأسرة التي تلتزم بالمعايير كانضباط الأسرة بالمنتج، الجودة، والخامة، تنسيق الألوان… أما مراقبة المنتجات فمن خلال فحصها قبل العرض من قبل متخصصين في هذا الجانب”.
وتختم أروى الضياني بأن البضاعة لا تدخل إلا بعد فحصها والتأكد من جودتها، وتم مؤخرا إدخال نظام “الكاشير” لتسهيل عملية البيع، وحاليا تستعد المؤسسة لإقامة سوق الخميس بحيث تعرض كل أسرة منتجاتها في ذلك اليوم المخصص ويتم دراسة المكان الذي سينفذ فيه المشروع.
رابط التقرير :
http://laamedia.net/news.aspx?newsnum=29364#