Categories
التدريب والتمكين

تحت مظلة العنصرية احفاد بلال عقوبة بلا خطيئة

ليست العصور الجاهلية، المسرح الوحيد الذي تكبد فيه ذو البشرة السمراء من البشر، اسوأ انواع التعذيب البدني والنفسي, فالعصر الحديث خير وريث للإرث المتغطرس الذي تركته سابقته من العصور تجاه من يطلق عليهم البعض اسم المهمشين وهي الفئة التي انزلقت من حلقة الاهتمام منذ زمن بعيد, والتي تعاني من التمييز والعنصرية ليس لذنب اقترفته بل لسواد لونها الذي عكس اللون الحقيقي لباطن الفئات الاخرى، فتجعلهم دائما في منصة العقاب
حفيد بلال سجين لونه الذي جعله في عزلة اجتاعية تفوح منها رائحة الحرمان، حيث ينهشهم الذل ويسطو عليهم الظلم بجبروته المر, عزلة قاسية تصفد جميع منافذ العيش الكريم في وجوههم
احفاد بلال يطرقون ابواب العمل فلا يفتح لهم باب ولا يرحب بهم لاستئجار بيت او حتى “دكان” يؤيهم ويحجب عنهم نيران التشتت وبرودة الشتاء فلا يجدون غير الارض الجرداء وحدها من تفتح ذراعيها امامهم فينصبون فيها خيامهم الممزقة التي تواري عنهم شيئا من اسهم الرياح
سليم ذو الخامسة عشر ربيعا يعاني الوصمة الاجتماعية كحال اخوانه واقربائه, يذهب لتلقي العلم كغيره من الاطفال فتستقبله نظرات زملائه الساخرة والسنتهم الحادة بعباراتها التي تنخر قلبه وتعيد وحدة احزانه فلا يفترون عن مناداته “يا اسود” “يا خادم ” على مرأى ومسمع استاذهم الذي علمهم ألف باء ونسي ان يعلمهم المساواة والانسانية, بل غذى العنصرية في صفه حين توجه بالمديح والتشجيع لجميع طلابه مستثنيا سليم الذي لا ينال منه سوى التجاهل والتطنيش
يعود سليم من يومه الدراسي فيجد نفسه وسط علب البلاستيك التي يجمعها ليقتضي من بيعها بضع ريالات, وتارة يتجه لاحدهم الذي يعمل إسكافيا ويساعده في ترميم الاحذية مقابل اجر قليل الدفع واحيانا اخرى يذهب للتسول, كل هذه الاعمال التي يمتهنها هو وغيره اهدرت كرامته وليست كفيلة بسد حاجته
وكغيره ممن يحلم بمستقبل مليء بالالوان، اطلق سليم العنان لطموحه واحلامه حتى وصلت إلى مشارف السماء، حين باح برغبته في ان يصبح طيارا وهو ينظر إلى الاعالي, ولكنه عاود النظر إلى الارض سريعا وكأنما صفعه الحرمان صفعة اعادته إلى واقعه المرير الذي يجعله في موضع الاستكانة وطلب القليل، تجلى ذلك في الامنيات التي تمناها من الدولة، فكان اعظمها البطانيات, صابون وغيرها من المطالب العادية التي تشعر السامع بأن انسانيتنا قد ماتت ودفنت من قبل ان نولد
العبودية وإن اختفت بمعناها الفعلي من بعض المجتمعات المتقدمة، إلا انها قد بقيت في الاخرى, فالسخرية من احفاد بلال وتخصيص اعمال لهم ضد رغباتهم يفرضها الفقر المدقع عنوة عليهم وحرمانهم من حقوقهم هو احد اشكال العبودية الذي بقي ضمنيا في المجتمعات النامية، لاسيما تلك التي توغل الصراع في جسدها فكانت ضحيته الاولى احفاد بلال الذين انحدروا تماما من التسلسل الهرمي الاجتماعي اكثر من اي وقت مضى