Categories
مقالات

البذور واستعباد البشرية

بنيان – مقالات

🖋️مها موسى

تتهافت الدول الكبرى عالميا للسيطرة على العالم والإستحواذ على مقدراته لتتمكن من التحكم بالبشرية واستعبادها بكافة الطرق وعبر كل ما من شأنه ان يحقق الأمن والاكتفاء لأي بلد ، ولا يذكر الأمن إلا ويذكر الغذاء الذي يعد مصدره الأول والأساسي الزراعة “البذور” ، لذا حيثما وجدت الزراعة والبذور الطبيعية نجد يد تلك الدول تمتد لتسيطر عليها ، وتستبدل بذورها الطبيعية بأخرى مهجنة “معدلة وراثيا” .
تنتج البذور المهجنة في 5 شركات عالمية هي ” شركتي مونسانتو ودبايونير في الولايات المتحدة الامريكية – شركة ليماغران في فرنسا – شركة سانجانتان في سويسرا – شركة بايير في المانيا ” حيث تعمل هذه الشركات على تهجين الحبوب اي “تعديلها وراثيا” بحيث تصبح غير قابلة لإعادة الزراعة ، ليس هذا فحسب بل ان كمية المحاصيل المنتجة من هذه البذور تكون منخفضة جدا ويقال ايضا ان محاصيلها تفتقد للجودة المطلوبة غذاء ومذاقا .
وبهذه النتيجة تتمكن هذه الشركات من احتكار البذور والتحكم بالزراعة والمحاصيل على مستوى العالم ، ويتحول الأمن الغذائي للدول الى مصدر تهديد له ابعاد خطيرة كالهند التي تعتبر اول مختبر للبذور المهجنة وذلك حين وقعت اتفافية تصحيح هيكلة في تسعينات القرن الماضي مع صندوق النقد الدولي مقابل ان تفتح حدودها للتجارة الدولية ، فسارعت شركة مونسانتو الامريكية لتغلغل في البلاد كالسرطان بسرعة فائقة فذرت الرماد على العيون ونشرت الوعود والأحلام الوردية بين المزارعين الهنود البسطاء وباعت لهم آخر اختراعاتها “بذور القطن المعدل وراثيا” ووعدتهم بأنهم سيحصلوا على مردودا غير مسبوق.
فاندفع الهنود لشرائها بمبالغ كبيرة اضطرتهم للاستدانة من البنوك وتحمل اعباء الفوائد ، لم يهتم المزارع الهندي لكل ذلك فهو غارق في عسل شركة مونسانتو ولم ينتبه بعد للسم القاتل المدسوس في العسل.
بدأ المزارعين الهنود بزراعة بذور القطن المهجن في اراضيهم منتظرين المحاصيل المتوقعة بحسب ما اخبرتهم الشركة بانهم سيحصلوا على” 400 الى 500 كيلو من القطن” وستتضاعف ارباحهم اكثر ، لكن ما حدث كان عكس المتوقع حيث لم تنبت اي بتلات قطن سوا واحدة او اثنتان فقط في كل مزرعة ، ما سبب صدمة كبيرة للمزارعين الهنود ، فهم بذلك خسروا زراعتهم الأصل وبذورهم ومحاصيلهم إضافة لقروض البنك وفوائده ، مصائب ادت الى انتحار ما يقارب 200 مزارع هندي .

هذا التوجه الممنهج من قبل الشركات الخمس للموت نحو الزراعة له عواقب وخيمة ، فالسيطرة على الغذاء يعني بيعه مقابل الامن والاستقلال والسيادة او ربما مقابل موارد الدولة الاخرى التي لا نستثني منها الموارد البشرية ، انها تؤسس لمستقبل لا وجود فيه الا للدول الاقوى عالميا ومعيار القوة هنا هو الغذاء.

لعل اليمن في وضعه الحالي تحت العدوان والحصار يعيش في بيئة غذائية افضل من غيره ولا تزال مزارع اليمن في امان طالما ويد هذه الشركات لم تطلها بعد ، لذا يجب ان تسعى الدولة والجهات المختصة والمستثمرين والمزارعين خاصة لبذل اقصى الجهود لزيادة نسبة الاراضي الزراعية وحماية البذور الطبيعية وتنويع المحاصيل بشكل اكبر للوصول لمرحلة الاكتفاء الذاتي غذائيا ، كما يمكن الاهتمام بالزراعة من خلال تطوير الامكانات والادوات الزراعية وتسهيل مهام المزارعين والمستثمرين في هذا الجانب وإعطاء المجال الغذائي أهمية قصوى لا تقل عن أهمية صناعة السلاح والصواريخ والطيران المسير ، فكلها حروب بأشكال مختلفة تحمل ذات البعد والخطر.